RT News

Wednesday, December 27, 2006

الزواج بين أبناء العمومة... هل يفاقم مشكلات العراق؟

آن بوبروف هاجل – الاتحاد الإماراتية

تعد الولايات المتحدة بلداً شاباً، مقارنة مع بقية العالم؛ ترك أفراد شعبه الكثير من هياكلهم الاجتماعية التقليدية خلفهم، وعبروا محيطات واسعة ليستقروا في العالم الجديد ويبدأوا حياة جديدة. وبالتالي، ففهماً لحياة أغلبية الشعوب في العالم التي تعيش داخل مؤسسات حددت ملامح الوجود الإنساني لقرون، يتعين على الأميركيين أن يبذلوا جهداً خاصاً لرؤية الأشياء من زاوية مختلفة جداً.
في أحيان كثيرة، تطبق الولايات المتحدة سياستها الخارجية من دون فهم جيد للمجتمعات التي تواجهها، وهو ما قد يؤدي إلى عواقب غير مقصودة ولكنها كثيراً ما تكون مُدمرة. ولعل أحد العناصر الرئيسية للنسيج الاجتماعي العراقي التي لا يعرفها الأميركيون جيداً هو المعدل المذهل للزواج بين أبناء العمومة في العراق. ذلك أن نصف حالات الزواج في هذا البلد تتم بين أبناء العمومة. ومن بين البلدان الأخرى التي تعرف أرقاماً قياسية من حيث الإقبال على هذا النوع من الزواج، لا توجد دول شبيهة غير باكستان ونيجيريا.
ولكن، من يأبه لمن يتزوج مَن في بلد غزوناه؟ ولماذا نتحدث مع علماء الاجتماع الذين يدرسون موضوعاً لا يهتم به إلا القليلون؟ الواقع أن أولئك الذين يعيشون في مجتمعات حديثة وفردانية فقط هم من يمكنهم أن يكونوا على هذا القدر من النسيان؛ ذلك أن الزواج بين أبناء العمومة، ولاسيما الشكل الفريد منه السائد في الشرق الأوسط، يخلق عشائر تتميز بإخلاصها وتلاحمها الداخلي القوي. وبالتالي، فعلاوة على العنف الطائفي في العراق، فربما تواجه الولايات المتحدة حدة أكبر من العنف بين العشائر مما رأته في فيتنام أو الحرب الأهلية الطاحنة في لبنان.
والحقيقة أن الولايات المتحدة لا يمكنها التعاطي مع مشكلة لا تعترف بها، ناهيك عن حقيقة أنها لا تستطيع استيعابها. وقد شبه الأنثروبولوجي "ستانلي كوتز" عشائر العراق بـ"حكومات مصغرة" تعمل على توفير الخدمات والمساعدات الاجتماعية التي يتلقى الأميركيون مثيلاتها بشكل روتيني من حكوماتهم الوطنية والمحلية. وهو ما يعني أنه لا يمكن لأي كان في منطقة تفتقر إلى حكومة نزيهة ومستقرة أن يصمد خارج عشيرة قوية وموحدة.
ولكن ما علاقة هذا الكلام بزواج أبناء العمومة؟ يحدث زواج أبناء العمومة لأن المرأة التي تتزوج رجلاً من عشيرة أخرى قد تشكل تهديداً لوحدتها. ذلك أنه إذا تغلبت علاقة زوج بزوجته على روح التضامن مع أشقائه، فقد يأخذ الزوجان أملاكهما ويتركان الجماعة، وهو ما يُضعف العشيرة. وتلافياً لهذا التهديد المحتمل، وُجد الزواج بين أبناء العمومة حيث يتزوج الرجلُ بنت عمه بدلاً من الزواج بامرأة من نسب آخر. وفي هذه الحالة، لا تعد زوجته غريبة، وإنما فرداً موثوقاً به من أفراد عائلته. كما تتمسك الزوجات جداً أيضاً بعشائرهن لأن أصهارهن لا يُعدون غرباء، وإنما أعماماً وعمات لديهم مصلحة كبيرة في دعم زواجهن.
وهكذا، فإن المحسوبية في القطاع الحكومي وقطاع الأعمال ليست بالأمر السيئ بالنسبة للكثير من العراقيين، بل تعد واجباً أخلاقياً. ويرى "ستيفن سيلار" في مجلة "ذي أميركان كونسيرفاتيف" في 2003 أن تفضيل الأقارب لا يترك إمكانيات كثيرة "تكفي ليكون المرء عادلاً مع من ليست بينهم قرابة. وبالتالي، فإن المحسوبية منتشرة في بلدان مثل العراق".
اللافت أن الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة التي تحكم أجزاء كثيرة من منطقة الشرق الأوسط تشتغل في أحيان كثيرة باعتبارها عشائر من حيث سعيها إلى تحقيق مصلحتها الذاتية أكثر من سعيها لتكون حكومات وطنية. وهو ما يدفع الأشخاص لعدم الوثوق بالدولة، ويظلون بدلاً من ذلك مخلصين للدعم الثابت الذي يضمنه النسب والقبيلة.
وقد ساهم الولاء للقبيلة والمحسوبية اللذين تكرسا بفضل قرون من الزواج بين أبناء العمومة في إضعاف حلم الرئيس جورج بوش المتمثل في خلق حكومة ديمقراطية وطنية في العراق. وبالتالي، فإنه لا يجوز للولايات المتحدة أبداً أن تغزو بلداً لا تعرف الكثير حول نسيجه الاجتماعي كيفا اتفق.
لقد ذُهلت منذ المراحل الأولى من حرب العراق للنزر القليل جداً الذي يعرفه الأميركيون عن المجموعات التي تسميها الولايات المتحدة بـ"المتمردين". والواقع أن التغطية على الجهل الأميركي تزداد اليوم أكثر من خلال استعمال عبارات فضفاضة مثل "الفوضى". وهنا أتساءل عما إن كان المواطنون الأميركيون، في حال أخذوا الوقت لـ"معرفة عدوهم"، سيعرفون أن ثمة أشكالاً كثيرة من المنطق في أنواع ما يسمى بالفوضى في العراق. وأتساءل عما إن كان الاكتشاف اليومي تقريباً لـ40 أو 50 أو حتى 60 جثة عراقية، تعرضت للاختطاف والتعذيب قبل أن تُقتل، هو بسبب أن عشائر تحارب إحداها الأخرى.
إن المنحى الذي نحته الأمور في العراق يدعم الفكرة القائلة بضرورة أن تعرف الولايات المتحدة، إذا كانت تحرص على نسج علاقات إيجابية مع أي مجتمع خارجي، كيفية عمل وتداخل عناصره المختلفة. كما عليها أن تستوعب جيداً اللحمة الاجتماعية التي تدعم الحياة البشرية داخل حدود اجتماعية واقتصادية وجغرافية.

آن بوبروف هاجل
ــــــــــــــــــــ
مؤلفة كتاب "النساء العاملات في روسيا تحت حكم القياصرة"
ـــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"

No comments: